الأديب العالمى نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل يتحدث عن طفولته وحى الجمالية الذى نشأ فيه
فيقول :لقد وعيت وأدركت قيمة حى الجمالية فى حياتى منذ النشأة الأولى كانت الجمالية أمامى وربما حين كنت أعيشها لم يكن حبى لها مثلما هو الآن لأنها كانت شيئاً طبيعياً بالنسبة لى كان من الطبيعى أن أفتح عينى فى الصباح فأجد أمامى بيت القاضى ودرب أرمز ثم أصعد إلى سطح المنزل فأرى مئذنة جامع الحسين وأنزل إلى الشارع فأجد نفسى محاطاً من كل جانب بهذا المعمار القديم الذى يميز الحى وحين كبرت قليلاً وبدأ لدى الإحساس بالتاريخ كنت أشاهد أهالى الجمالية يمشون فى الطريق ويتحدثون إلى بعضهم البعض ويمارسون حياتهم اليومية فكانوا يبدون وكأنهم هم أنفسهم الفاطميون أو الأيوبيون أو المماليك أو من يأتى بعدهم .
الجمالية حى عريق بناه بدر الجمالى قائد جوهر الصقلى الذى بنى القاهرة .
كم نظرت من ثقوب مشربيتنا وشاهدت أحداثاُ شاهدت ثورة 1919وهى تولد شاهدت الميدان الهادئ الملئ بأشجار الصفصاف وقد خرج منه الآلاف من الرجال والنساء يهتفون بهتافات لا أفهم معناها جيداً ؛ لأننى كنت ما زلت صغيراً كنت فى سن السابعة .
قضيت فى الجمالية أجمل أيام حياتى لقد شهد ذلك الحى العريق هجرة إلى أحياء أخرى حديثة فقد انتقلت عائلتى إلى حى العباسية .
لقد سررت فى البداية بانتقالى إلى الحى الجديد وأننا تركنا الحى الشعبى إلى منزل بحديقة وكنا نطلق عليه حى الذوات والأغنياء وكان الجانب الشرقى منه مليئا بالسرايات والقصور ولكن بمجرد استقرارنا فى العباسية بدأت أحن وأشتاق إلى الجمالية بدأ حب الجمالية يظهر عندى وظللت أسيراً له ولم أبرأ منه فى حياتى وبدلاً من أن أندمج فى الحى الجديد وأصدقائه بدأت أقنعهم بالمجئ معى ليتعرفوا على الحى الذى ولدت فيه وهكذا لم يكن يمر أسبوع دون أن نذهب إلى الحى القديم فكنا نجلس فى قهوة الفيشاوى وفى قهوة أخرى قديمة كانت فى زقاق المدق وفى الإجازات كنت أذهب يومياً إلى الحى القديم أجوب وحدى فى الطرقات والشوارع التى كنت أمشى فيها مع والدتى حين كنا نسكن فيه كنت أنظر إلى بيتنا القديم فأجده جميلاً ومبنياً على الطراز القديم وتزين واجهته مشربيتان جميلتان .
لقد ألهمنى بيتنا لاقديم الكثير من أعمالي الروائية ولكنه أكثر من ذلك كان يمتعنى بأهله الذين ما زالت فيهم سمات أجدادهم عبر التاريخ الطويل لقد كانت الحارة فى أعمالى واقعية أحياناً وترمز لأشياء كثيرة احياناً أخرى كانت واقعيى حين تشير إلى طفولتى وترمز للوطن مثلما حدث فى زقاق المدق وترمز للدنيا بعامة مثلما هو فى روايتى (الحرافيش) و(أوولاد حارتنا)
....................